استراتيجيات التعلم النشط 3: العصف الذهني
في هذا الجزء الرابع من مقال "استراتيجيات التعلم النشط"،
وبعدما تحدثنا في الأجزاء السابقة عن كل من استراتيجية حل المشكلات والتعلم التعاوني وتعليم القرين، سوف نحاول في هذا الجزء الرابع تسليط الضوء على إحدى اهم
تقنيات التنشيط وأكثرها استعمالا في حل المشكلات سواء في الميدان التعليمي أو في
الميان الاقتصادي أو في باقي الميادين، يتعلق الأمر ب "استراتيجية العصف
الذهني". فما هي استراتيجية العصف
الذهني؟ وما مدى فعاليتها ونجاعتها في تحفيز المتعلمين على المساهمة الفعالة في
بناء تعلماتهم؟
تاريخ استراتيجية العصف الذهني:
ظهرت استراتيجية العصف الذهني لأول مرة خلال أربعينيات القرن الماضي في
ميدان الاقتصاد والأعمال على يد مسؤول الإعلانات الأمريكي أليكس أوزبورن Alex Osborn بعدما لاحظ أن فريق عمله يعاني من قلة الأفكار،
وفكر في ابتكار أسلوب جديد من أجل تشجيع فريقه على التفكير بشكل إبداعي و إبداء
أفكارهم دون شروط أو قيود قصد إنقاذ شركته من الفشل والإفلاس فاهتدى إلى ما أطلق
عليه استراتيجية العصف الذهني Brainstorming .
بعدما قام أليكس أوزبورن بتطبيق هذه الاستراتيجية (العصف الذهني) وتكرارها
عدة مرات لاقت نجاحا باهرا واستحسانا كبيرا لدى فريق عمله، قرر تطوير الفكرة والعمل
عليها أكثر حيث قام بتأليف كتاب تحت اسم التخيل التطبيقي Applied Imagination والذي صدر
سنة 1953.
ساهم كتاب التخيل التطبيقي إلى حد كبير في انتشار استراتيجية العصف
الذهني عبر العالم، مما جعل الكثير من الباحثين ينتبهون إليها ويعملون على تطويرها.
كما أصبحت جل الشركات تسارع إلى تطبيقها ليس فقط في ميدان الدعاية والإعلان، وإنما في
مختلف الميادين.
تعريف العصف الذهني:
العصف الذهني Brainstorming نقاش جماعي
منظم يهدف إلى توليد أكبر عدد ممكن من الأفكار حول موضوع معين أو اقتراح أكبر عدد
ممكن من الحلول الممكنة لمشكلة معينة ليتم في الأخير تقييم هذه الأفكار والحلول
واختيار أفضلها وأنسبها.
ومن أجل ضمان أفضل نتيجة لعملية العصف الذهني، يجب احترام القواعد التالية:
-
التركيز على الكم: تعتمد
استراتيجية العصف الذهني على تجميع أكبر عدد ممكن من الأفكار بغض النظر عن جودة
هذه الأفكار ومناسبتها لحل المشكلة.
-
تجنب النقد: حيث يقتضي
تطبيق استراتيجية العصف الذهني تقبل جميع الأفكار المقترحة مهما كانت تبدو بسيطة
وغير مناسبة لحل المشكلة وتأجيل النقد والتقييم إلى آخر مرحلة.
-
تشجيع الأفكار الجديدة:
حيث يتم تشجيع أعضاء الفريق على اقتراح أفكار جديدة مهما كانت تبدو غريبة وغير
مألوفة.
-
تطوير الأفكار ودمجها: حيث
يتم دمج الأفكار والعمل على تطويرها من أجل الوصول إلى الحل النهائي.
أنواع العصف الذهني:
إن التوصل إلى نتائج مرضية رهين على مدى التوفق في اختيار النوع الأنسب من
أنواع العصف الذهني الكثيرة والمتنوعة والتي نذكر منها:
1-
العصف الذهني الكتابي Brain Writing: يعتمد هذا
النوع من العصف الذهني على قيام كل فرد من أفراد الفريق بكتابة أفكاره على بطاقات
صغيرة ثم بعد ذلك يتم قراءة هذه الأفكار بشكل عشوائي من أجل مناقشتها وتحليلها،
كما يمكن جمع هذه النطاقات التي تحمل الأفكار وعرضها على المدير ليستفيد منها
ويوظف الأنسب منها في حل المشكلات التي تواجهها مؤسسته.
2- العصف
الذهني التصوري Figuring Storming: في هذا النوع من أنواع
العصف الذهني، يطلب من أعضاء الفريق تصور سلوكيات وتصرفات شخص معين إزاء وضعية
معينة. هذا النوع يساعد على تجنب تكرار الأفكار وتنمية القدرة على إنتاج أفكار
مختلفة والابتعاد عن الأفكار النمطية (مثال: أن يطرح على أعضاء الفريق السؤال: كيف
كان سيتصرف أرسطو لو كان أمام نفس المشكلة؟).
3-
العصف الذهني عبر
الأنترنت Brain-Netting: يعتمد هذا
النوع من العصف الذهني من طرف الشركات والمؤسسات الكبرى التي تضم موظفين من مختلف
بقاع العالم، كما يمكن اعتمادها خلال عملية التعلم عن بعد، حيث يقوم كافة الافراد
باقتراح أفكارهم سواء بشكل متزامن أو بشكل غير متزامن عبر شبكة الإنترنت وباستخدام
بعض المنصات الإلكترونية والبرانم والتطبيقات مثل:
تطبيق slack: وهو تطبيق يمكن من
اقتراح الأفكار ومناقشتها والاشتغال عليها بشكل إلكتروني.
تطبيق Trello : هو تطبيق يمكن من تحديد
المهام ومتابعتها وطرح الأفكار ومناقشتها عبر شبكة الأنترنت.
مستندات Google docs: إحدى خدمات google المجانية والتي تمكن من إنشاء مستندات وتقاسمها
مع عدة أشخاص للاشتغال عليها بحيث يقوم مجموعة من الأشخاص من مختلف بقاع العالم
بالاشتغال على نفس المستند وفي نفس الوقت.
4-
خلق الأفكار المتسارع Rapid Idéation: يستخدم هذا
النوع من العصف الذهني حينما تكون هناك قيود وضغوطات زمنية، حيث يقوم المدير او
المسؤول بتقديم كافة المعلومات والمعطيات الأساسية ويطلب من أعضاء الفريق إنتاج أكبر
عدد ممكن من الأفكار في ظرف وجيز.
5-
دورة روبن Round Robin Brainstorming :
في هذه الاستراتيجية، يقوم قائد الفريق بطرح الموضوع وتقديم كافة المعلومات
والمعطيات، ثم بعد ذلك يطلب من كل عضو من أعضاء الفريق أن يقدم له أفكاره بشكل
فردي فيقوم بتسجيلها دون تقييمها أو إبداء رأيه فيها إلى أن يسجل أفكار جميع
الأعضاء ويتم مناقشتها دون الانحياز إلى فكرة معينة أو تفضيل فكرة على أخرى.
6-
الانفجار النجمي Star bursting: بخلاف الأنواع
الأخرى، في هذا النوع من العصف الذهني يتم تجميع الأسئلة بدل الأفكار والحلول، حيث
تبدأ الجلسة بطرح سؤال بسيط ذات علاقة بالموضوع ليتم طرح أسئلة أخرى بناء عليه.
7-
تقنية السلم النقال Stepladder Technique: يهدف هذا
النوع من العصف الذهني إلى جعل كل عضو من أعضاء الفريق يدلي بأفكاره الشخصية ولا
يتأثر بأفكار الأعضاء الآخرين، حيث يقوم قائد الفريق بطرح الموضوع ثم يطلب من
الجميع مغادرة القاعة وينادي عليهم واحدا تلو الآخر من أجل الإدلاء بأفكاره
واقتراحاته والبقاء داخل القاعة الى أن يدلي الجميع بأفكارهم ثم يتم مناقشة هذه الأفكار.
8-
عصف الأدوار Rôle Storming: حيث يقوم
الأعضاء المشاركون بتقمص أدوار مرتبطة بمجال خبرتهم، (كأن يلعب أحدهم دور المسؤول
التجاري ويلعب الآخر دور البائع مثلا)، ثم يتم مناقشة ذلك من خلال طرح بعض الأسئلة
المتعلقة بالوضعية.
مراحل حل المشكلات باستخدام العصف الذهني:
من أجل استخدام أمثل لاستراتيجية العصف الذهني في حل
المشكلات يجب اتباع الخطوات الآتية:
الخطوة الأولى: صياغة المشكلة بشكل دقيق وتقديمها
للفريق.
الخطوة الثانية: توليد أكبر عدد ممكن من
الأفكار والحلول.
الخطوة الثالثة: اختيار أفضل الحلول والعمل
على تنفيذها.
الخطوة الرابعة: تقييم النتائج المحصل
عليها.
إن كان ابتكار استراتيجية العصف الذهني في ميدان آخر غير ميدان التربية
والتعليم، فإنه يعطي نتائج ممتازة في تحفيز المتعلمات والمتعلمين على الابداع
والابتكار والإسهام الفعال في بناء تعلماتهم.
ذ.فؤاد أبشري
آراؤكم واقتراحاتكم، بل وانتقاداتكم -زوار موقع شذرات تربوية الأعزاء – تعني لنا الكثير فلا تترددوا في التواصل معنا من خلال التعليقات أو عبر البريد الإلكتروني للموقع siteshatharat@gmail.com.