استراتيجيات التعلم النشط1: التعلم التعاوني
إن الطفرة النوعية التي عرفها مجال التكنولوجيا الحديثة للإعلام والتواصل في عصرنا هذا فرضت تغيرا جذريا في نمط حياة الأفراد والجماعات؛ هذا التغير الذي طال مختلف جوانب الحياة، جعل من الأدوات والوسائل والأساليب والطرائق المعتمد في تعليم الأشخاص تبدو متجاوزة ومملة إلى حد ما. فالطفل الذي يقضي ساعات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها وما تزخر به من زخرفة وبهرجة ومؤثرات بصرية تستهوي عقله وبصيرته و تجذبه إليها أيما انجذاب، هذا الطفل، يجد في الوسائل التقليدية المعتمدة في التدريس مللا ورتابة كبيرين، فتراه شارد الذهن تارة و منشغل بأشياء خارجة عن نطاق الدروس تارة أخرى، بينا تراه جد منتبه ويقظ خلال الدروس والأنشطة التي تستخدم فيها وسائل تكنولوجية وأساليب حديثة تضفي على العملية التعليمية نوعا من المتعة والتشويق، وتثير لديه -أي المتعلم- الفضول المعرفي وحب اكتشاف كل ما هو جديد. فما هي الوسائل والطرائق التي تجعل من التعلم تعلما نشيطا؟ وما مدى قابلية هذه الطرائق للتطبيق في مؤسساتنا التعليمية؟
ما معنى التعلم النشط؟ وما هي استراتيجياته؟
يمكن تعريف التعلم النشط Active learning على أنه فلسفة تعليمية تجعل المتعلم في قلب العملية التعليمية التعلمية، من خلال اعتماد طرائق تدريس يشارك فيها المتعلم بشكل إيجابي ونشط في بناء تعلماته وعدم الاكتفاء بالاستقبال السلبي للمعلومات، وذلك عن طريق البحث والتجريب وحل المشكلات المستوحاة من مواقف ذات صلة بمحيطه وحياته اليومية قصد استهداف مهارات التفكير العليا لديه، كالتحليل والتركيب والتقويم؛ وتنمية المهارات الأساسية كالحوار البناء و الإصغاء الإيجابي والتفكير والتأمل تعزيز القدرة على حل المشكلات، بالإضافة إلى تنمية روح التعاون والعمل الجماعي.
ما هي صيغ وإستراتيجيات التعلم النشط؟
توجد الكثير من الاستراتيجيات والأساليب المبتكرة والتي يمكن للمدرسين والمربين اعتمادها من تنشيط أذهان المتعلمين ومساعدتها على التعلم بشكل إيجابي وفعال والتي سنتناول منها خلال هذا الجزء:
التعلم التعاوني:
وهو استراتيجية تعتمد على تقسيم المتعلمات والمتعلمين إلى مجموعات غير متجانسة تضم ما بين أربعة وستة عناصر ذوي مستويات معرفية مختلفة كي يتعاونوا فيما بينهم من أجل إنجاز نشاط أو حل وضعية مشكلة معينة بغية تحقيق هدف أو أهداف محددة بشكل مسبق.
1- أسس نجاح التعلم التعاوني:
إن نجاح
عملية التعلم التعاوني، أو بصيغة أخرى نجاح العمل داخل مجموعات، يقتضي معرفة
المتعلمين للأسس التي ينبني عليها هذا النوع من التعلم والتي تتمثل في:
_ تحسيس كل فرد من افراد
المجموعة الواحدة بحاجته إلى الافراد الآخرين من خلال تحديد الأهداف المشتركة
وإعطاء مكافآت مشتركة وتحديد دور كل فرد من أفراد المجموعة.
_ تحسيس كل فرد من أفراد
المجموعة بمسؤوليته الفردية داخل المجموعة من خلال تقييم أداء كل فرد من افراد
المجموعة وعدم الاكتفاء بتقييم أداء المجموعة ككل.
_ سرد كل عضو للأعمال والتصرفات
التي قام بها والتي ساهمت في تحقيق الأهداف المنتظرة.
_ حث المتعلمين على
مساعدة بعضهم البعض والتحلي بروح الفريق.
_ تقديم التغذية الراجعة سواء من طرف المدرس أو من طرف باقي أفراد المجموعة.
2- مراحل التعلم التعاوني:
مرحلة التعرف: خلال هذه المرحلة،
يتعرف المتعلمون على كافة تفاصيل المهمة الطلوب منهم إنجازها والأهداف المرجوة
منها وكيفية الاشتغال، علاوة على المدة الزمنية المخصصة للعمل المشترك على إنجازها.
مرحلة بلورة معايير العمل الجماعي: وهي المرحلة
التي يتم خلالها توزيع الأدوار بين أفراد المجموعة وتحديد المسؤوليات الجماعية
والفردية وكيفية اتخاد الآراء المشتركة.
مرحلة الإنتاجية: خلال هذه المرحلة،
ينخرط كافة أعضاء المجموعة، كل حسب الدور المنوط به، في التعاون من أجل إنجاز المهمة المحددة.
مرحلة الإنهاء: وهي المرحلة التي يقوم فيها أعضاء كل مجموعة بتقديم الحصيلة التي توصلوا إليها من أجل تقييمها ومناقشته مع المدرس والمتعلمين الآخرين.
3- أشكال التعلم التعاوني:
فرق التعلم معا: في هذا الشكل من التعلم
التعاوني، يهدف المتعلمون إلى تحقيق هدف مشترك حيث يتم تقسيمهم إلى فرق يساعد بعضها
البعض الآخر لإنجاز الواجبات المطلوبة منهم، لتقوم في الأخير كل مجموعة بتقديم
التقرير النهائي لإنجازاتها والنتائج التي توصلت إليها أمام المجموعات الأخرى كي
يتم تقويمها.
الفرق المتشاركة: في هذا الشكل، يتم تقسيم
المتعلمين إلى مجموعات متساوية الأعضاء، ثم يتم تقسيم المادة العلمية عليهم بحيث يأخذ
كل فرد من أفراد المجموعة جزءا منها ويقوم بالتقاء أفراد المجموعات الأخرى الذين
أخذوا نفس الجزء الذي أخذه في ما يعرف ب "لقاء الخبراء" يتدارس معهم
الجزء المخصص لهم ويعود ليتقاسم مع باقي افراد مجموعته ما تعلمه من أعضاء
المجموعات الآخرى.
فرق التعلم الجماعية: في هذا الشكل تكون المسؤولية
جماعية، ويتم التعلم من خلال اتباع المراحل الآتية:
-
تنظيم المتعلمين في
مجموعات متعاونة عدد أفرادها يتراوح بين أثنين وستة أفراد وفقا لميولاتهم ورغباتهم.
-
اختيار الموضوعات وتحديد
المهام وتوزيعها على افراد المجموعة.
-
اشتراك أفراد المجموعة
في إنجاز المهام.
- تقديم التقرير النهائي أمام المجموعات الأخرى.
4- التقييم في استراتيجيات التعلم التعاوني :
عكس التعلم التقليدي الذي يتم فيه تقييم إنجازات المتعلمين حصريا من طرف المدرس، تعتمد استراتيجية التعلم التعاوني على تقييم المتعلم لإنجازاته وقدراته كما يعتمد على تقييم المتعلمين بعضهم، فيما يكتفي المدرس بالتوجيه والتنشيط.
5- إيجابيات التعلم التعاوني:
تكمن نجاعة وأهمية التعلم التعاوني في كونه ينمي لدى المتعلم التفكير النقدي وروح التعاون ويحفز ذاكرتهم وساعدهم على فهم الأفكار وحفظها، كما تحفزهم على التفكير الإبداعي وحل المشكلات المعقدة.
6- بعض معيقات تفعيل استراتيجية التعلم التعاوني:
من أهم المعيقات التي تحول دون تفعيل استراتيجية التعلم
التعاوني أو تقلل من فعاليته نذكر:
-
عدم توفر الأدوات والوسائل
الضرورية.
-
ضيق الحجرات الدراسية وعدم
ملائمة للعمل بالمجموعات.
-
الاكتظاظ وكثرة
المتعلمين داخل الفصل الدراسي الواحد.
-
ضيق الوقت المخصص لكل
حصة دراسية.
-
خوف المتعلمين من
الانتقاد.
-
كون مثل هذه الأنشطة
تتطلب وقتا طويلا للإعداد والتخطيط.
إلى هنا نكون قد استوفينا فقرات هذا الجزء الذي خصصناه لاستراتيجية التعلم التعاوني، ترقبوا الجزء الثاني من هذا المقال والذي سنخصصه لاستراتيجية أخرى من استراتيجيات التعلم النشط. نتمنى ألا تبخلوا علينا بآرائكم واقتراحاتكم حول الموضوع.
ذ. فؤاد أبشري