استراتيجيات التعلم النشط2: حل المشكلات
في زمن سِمته البارزة التطور والتغير، أصبح لزاما على كل مدرس تجديد مهاراته وكفاياته المهنية وأساليب تدريسه، فمن لا يواظب على التكوين الذاتي والبحث العلمي ومسايرة مستجدات العصر، سيجد نفسه في يوم من الأيام عاجزا عن أداء مهمته على الوجه المطلوب، مهما اكتسب من خبرة وراكم من تجارب، لأن هذه الخبرات والتجارب تتقادم مع ظهور بيداغوجيات وأساليب جديدة وتصبح من الماضي.
في نفس السياق – سياق التكوين الذاتي والتجديد التربوي- وبعدما تناولنا في الجزء الأول موضوع التعلم التعاوني، سنحاول خلال هذا الجزء تناول موضوع جديد لا يقل عنه أهمية، ألا وهو موضوع استراتيجية حل المشكلات. فما هي استراتيجية حل المشكلات؟ وما مدى فعاليتها؟
نبذة عن استراتيجية حل المشكلات:
يعتبر الفيلسوف والمربي البراجماتي الأمريكي جون ديوي John Dewey أول من طرح أسلوب التدريس بحل المشكلات في أوائل القرن العشرين، حينما دعا إلى أن تكون المناهج التعليمية معتمدة على المشكلات، حيث ربط التربية بالحياة اليومية، واعتبر أن التربية هي الحياة، وأن الإنسان يظل طيلة حياته يتعلم ويكتسب الخبرات والتجارب. ومنه استنتَجَ أن التعلم باستخدام استراتيجية حل المشكلات هو السبيل الأمثل لتكوين أشخاص قادرين على التعامل مع المشاكل التي تواجههم في حياتهم اليومية و التغلب عليها.
ما هي المشكلة؟
خلال بحثي عن تعريف للمشكلة، وجدت الكثير من التعاريف والتي تتفق كلها على أن المشكلة "هي كل موقف يتضمن خللا أو غموضا يحتاج إلى معالجة من أجل تحيق هدف معين" .
ما هي أنواع المشكلات؟
تنقسم المشكلات من حيث المعطيات والأهداف إلى خمسة أنواع
رئيسية وهي:
- مشكلات تكون فيها
الأهداف والمعطيات محددة بشكل تام.
- مشكلات تكون فيها
المعطيات واضحة بينما الأهداف غير واضحة.
- مشكلات تكون فيها
الأهداف واضحة والمعطيات غير واضحة.
- مشكلات تفتقر إلى الوضوح
في كل من المعطيات والأهداف.
- مشكلات الاستبصار، والتي تكون لها إجابات صحيحة، لكنها تفتقر على وضوح الإجراءات اللازمة للانتقال من وضع لوضع آخر.
ما هي مكونات المشكلة؟
للمشكلة ثلاثة اركان رئيسية وهي:
- المعطيات: ويقصد بها
الحقائق والمعلومات التي تصف الحلة بشكل فعلي.
- الأهداف: ويقصد بها
الوضع الذي نروم الوصول إليه.
- العقبات: ويقصد بها العراقيل والصعوبات التي تعترض الوصول إلى الحل.
ما هي استراتيجية حل المشكلات؟
يمكن تعريف استراتيجية حل المشكلات بأنها خطة تدريسية تعتمد على جعل المتعلم أمام موقف معقد ليبحث له عن حل، فتواجهه بعض الصوبات والعراقيل التي تجعله يدرك أن ما لديه من معارف وقدرات ومهارات غير كافية لذلك، وتدفعه إلى بذل جهد معرفي واكتساب مهارات ومعارف جديدة قصد التوصل إلى الهدف المنشود.
خطوات حل المشكلات؟
تحديد المشكلة: في هذه المرحلة يقوم
المدرس بعرض المشكلة التي يود توظيفها بشكل واضح بحيث يحدد متغيرات الموقف باستخدام كلمات دقيقة وواضحة ومفهومة لدى المتعلمين.
الربط بين عناصر المشكلة والمكتسبات السابقة للمتعلمين: في هذه
المرحلة يقوم المتعلمون بعمليات عقلية وذهنية كالتحليل والتركيب من أجل ربط عناصر
ومكونات المشكلة المطروحة بمعارفهم وخبراتهم السابقة. لذلك، يجب على المدرس تحديد عناصر المشكلة
ومكوناتها بشكل دقيق وواضح لكي يكون التعلم ذا معنى.
تحديد الحلول ( الفرضيات) الممكنة للمشكلة: في هذه المرحلة، يقوم المتعلمون، بتوجيه من مدرسهم، (يقومون) بطرح كافة الحلول الممكنة للمشكلة المطروحة وصناعة حلول مؤقتة لها، والتي من شأنها أن تمكنهم من الوصول إلى الحل الأنسب والنهائي.
تجريب الحلول (الفرضيات) المطروحة واختيار الأنسب منها: تمتاز هذه
المرحلة باختبار المتعلمين للفرضيات التي قاموا بصياغتها، وذلك بالاعتماد على مجموعة من المعايير نذكر منها:
-
مدى قابلية هذه الفرضيات
للاختبار والتمحيص.
-
مدى ارتباط الفرضية
بالمشكلة المطروحة.
-
مدى دقة الفرضية وخلوها من
الأخطاء.
-
بناء الفرضية على أسس
علمية.
-
ارتباط الفرضية بموقف واحد
وعدم تشعبها بأكثر من مجال.
الوصول إلى الحل النهائي للمشكلة وتعميمه على المشكلات المشابهة: تعتبر هذه المرحلة مرحلة نهائية، حيث يتوصل خلالها المتعلمون إلى النتيجة النهائية، ثم يقومون بتعميمها على الحالات المشابهة من حيث العناصر والمكونات والمتغيرات.
دور المدرس في تفعيل وإنجاح استراتيجية حل المشكلات:
باعتباره موجها ومنشطا للعملية التعليمية التعلمية، يلعب
المدرس دورا هاما في إنجاح استراتيجية حل المشكلات داخل الفصل الدراسي وذلك من
خلال:
- اختيار مشكلة مناسبة
وواضحة العناصر والمكونات وذات صلة مباشرة بالموضوع.
- توجيه المتعلمين لصياغة
الفرضيات والحلول الممكنة من خلال طرح أسئلة تثير لديهم الدافعية والرغبة في البحث والاستقصاء.
- ربط المتعلمين بمحيطهم وبمواقف من حياتهم اليومية.
- اقتراح بعض المراجع والمصادر التي يمكن للمتعلمين الاعتماد عليها خلال عملية البحث والاستقصاء.
- مد يد المساعدة للمتعلمين
كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
- تقديم نماذج تساعد المتعلمين على حل المشكلات.
دور المتعلم في إنجاح استراتيجية حل المشكلات:
باعتباره محور كل نشاط تعليمي تعلمي، يلعب المتعلم الدور
المحوري في إنجاح استراتيجية التعلم بحل المشكلات، ويتجلى هذا الدور في:
- إبداء رغبته في التعلم
عن طريق استراتيجية التعلم النشط.
- الاعتماد على نفسه وقدراته
الشخصية في البحث والتجريب والاستقصاء.
- اقتراح مواضع تعبر عن
ميولاته ومواقفه الشخصية.
- ابداء اهتمامه بحل المشكلات.
- تجريب طرق مختلفة لحل
المشكلات وتقييم كل طريقة على حدة ومدى نفعها ونجاعتها.
ترقبوا الجزء الثالث من هذا المقال، والذي سنحاول فيه تسليط
الضوء على استراتيجية أخرى من استراتيجيات التعلم النشط، والتي أصبح لزاما على
مدرسي القرن الواحد والعشرين الانفتاح عليها وتطبيقها بفصولهم الدراسية قصد تجديد أساليب
تعليمهم للناشئة وتجاوز البيداغوجيات والطرائق التقليدية التي تبخس من قدرات
المتعلم وتقزم دوره في تنمية رصيده المعرفي وتنمية مهاراته.
آراؤكم واقتراحاتكم زوار موقعنا الأعزاء تعني لنا الكثير، فلا تبخلوا علينا بها، للتواصل معنا، راسلونا على البريد الإلكتروني للموقع siteshatharat@gmail.com.
ذ. فؤاد أبشري