ذة. حسناء لقمان
تضافرت عدة أسباب في مفاقمة ظاهرة الهدر المدرسي بالمغرب، وخصوصا في القرى، ما بات يشكل نزيفا يهدد التلاميذ سواء الذكور أو الإناث، وخصوصا منهم أولئك الذين يقطنون بالمناطق النائية التي تعاني من الهشاشة والفقر والتهميش، حيث نسب الهدر المدرسي جد مرتفعة ومخيفة؛ مما يؤدي إلى خلق العديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية وحتى الاقتصادية.
يعيش معظم تلميذات وتلاميذ العالم القروي معاناة حقيقية بسبب النقص الحاصل في وسائل النقل المدرسي، مما يدفعهم لقطع مسافات طويلة رغم ظروفهم الصعبة ووعورة التضاريس وقساوة المناخ. يتنقلون إلى المدارس كل صباح مهما كانت أحوال الطقس، ففي كثير من الأحيان يضطرون إلى الذهاب إلى مدارسهم في ضباب كثيف وأمطار قوية ورعد وبرق ونباح كلاب ضالة. كل يوم تنطفئ شمعتهم خوفا من المستقبل المجهول، باحثين عن العلم في طرق صعبة ووعرة، مما يؤدي بالبعض إلى الانقطاع عن الدراسة بشكل نهائي، خصوصا وأن الحالة الاقتصادية لآبائهم وأولياء أمورهم لا تسمح بتوفير وسيلة نقل شخصية كالدراجة للالتحاق بمؤسساتهم التعليمية. وفي حالة توفرحافلة للنقل المدرسي، نجد حافلة واحدة تقل العشرات من التلاميذ ، ما يهدد حياتهم وحياة السائق . والبعض الآخر يضطر أغلبيتهم إلى التنقل عبر سيارات النقل السري أو ما يطلق عليه “ الخطافة ”.
تعريف الهدر المدرسي :
مهما اختلفت المفاهيم وتنوعت المرادفات، يتم تعريف الهدر المدرسي في الحقل السوسيو تربوي كجموعة من العوامل والمشاكل، سواء اجتماعية أو نفسية، تدفع التلاميذ إلى الانقطاع عن الدراسة أو الفشل المدرسي. ورغم المجهودات المبذولة من طرف وزارة التربية وكذا السلطات الولائية وجمعيات المجتمع المدني، إلا أن المشكل لا يزال قائما؛ فيظل غياب وسائل النقل من المعيقات التي تعرقل ضمان الحق في التمدرس لكافة الأطفال وتكافؤ الفرص بين أطفال القرى وأطفال البوادي ويعمق الهوة بينهم.
وهذا الأمر يتسبب للعديد من الأطفال، وخصوصا الإناث منهم، في مشاكل نفسية ، حيث تتعرض أغلب التلميذات اللواتي يقطعن مسافات طويلة لوحدهن إلى التحرش أو الاغتصاب، مما يؤدي بهن إلى الإصابة باضطرابات نفسية ومشاكل صحية.
كما يعتبر الزواج المبكر للفتيات من أسباب الهدر المدرسي ويؤدي بهن إلى مجموعة من المشاكل الاجتماعية، تجعل من بعض القرى والأحياء الشعبية فضاءات تنتج الأمية والتعاطي للمخدرات وافتعال المشاكل، ما أدى إلى انتشار مجموعة من الظواهر السلبية والجرائم والسرقة والاعتداء... بالإضافة إلى مشاكل اقتصادية تتمثل في في ارتفاع معدل البطالة التي تعرقل تطور مؤشر التنمية البشرية.
الدور الإيجابي للنقل المدرسي :
يعتبر النقل المدرسي وضمان سلامته من أهم ما يجب على الجماعات المحلية توفيره للتلميذات والتلاميذ لتفادي عدة مشاكل. ومن الحلول المقترحة :
- توفير دراجات هوائية لجل التلاميذ الذين يقطنون في مناطق لا تصلها حافلات النقل المدرسي.
- ضمان الأمان والاطمئنان والحماية للتلميذات والتلاميذ أثناء تنقلهم من وإلى المؤسسات التعليمة .
- توفير العدد الكافي من وسائل النقل المدرسي وعدم تكديس التلاميذ وتركهم يضربون بعضهم البعض مما يخلق نزاعات بينهم.
- تكافؤ الفرص وتجنب التمييز بينهم حسب أسمائهم أو طباقاتهم الاجتماعية.
- اختيار سائقين ذوي خبرة وشواهد مهنية.
وختاما، تظل المشاكل والإكراهات التي تؤدي بالتلميذات والتلاميذ إلى الانقطاع عن الدراسة عديدة ومتنوعة، تختلف من منطقة إلى أخرى؛ ومهما حرصت السلطات والجهات المعنية على إيجاد حلول لها وتحسين ظروف التمدرس والتنقل من وإلى المؤسسات التعليمية؛ يبقى التحسيس بأهمية الدراسة وطلب العلم وتغيير بعض العقليات والأفكار التي لا زالت تؤمن بكون المرأة خلقت للإنجاب والأشغال المنزلية على رأس الأولويات التي ينبغي على الجميع المساهمة فيها حتى ننقذ العديد من الفتيات من الحرمان من حقهن في التعلم، وولوج سوق الشغل جنبا إلى جنب مع الرجال، وعدم الزج بهن بين أربعة جدران، وتحميلهن مسؤوليات تفوق عمورهن ومستوى تحملهن.