استراتيجية الأقسام المقلوبة
إن التطور السريع الذي يعرفه نمط الحياة في ظل الطفرة النوعية التي يشهدها مجال التكنولوجيا الحديثة للإعلام والتواصل، فرضت تغيرات وتطورات جدرية في ميدان التربية والتعليم، بحيث أن أطفال اليوم أصبحوا يقبلون بشكل كبير على الأجهزة الإلكترونية لما تزخر به من مؤثرات بصرية و صوتية تراعي خصوصيات المرحلة العمرية التي يعيشونها ؛الشيء الذي يجعلهم يجدون في الدرس الذي يقدم بشكل تقليدي وبأدوات ووسائل تعليمية بسيطة كالسبورة والكراسات ... يجدون فيه رتابة و مللا كبيرين إن لم يبدع الأستاذ في تنويع أساليب التدريس و تقنيات التنشيط.
الحاجة
أم الاختراع:
ومن بين أهم المستجدات التي فرضها هذا التطور، استراتيجية القسم المقلوب أو المعكوس أو ما يسمى باللغة الفرنسية La classe inversée وباللغة الإنجليزية flipped classroom. و هي مقاربة بيداغوجية من ابتكار أستاذي الكيمياء الأمريكيين "جوناثان بيرجمان Jonathan Bergman و آرون سامز Aron Sams سنة 2006، كحل لعدم تمكن العديد من طلابهما من حضور الحصص الصفية بسبب انشغالهم بممارسة أنشطة رياضية غير صفية قصد تمكينهم من متابعة دروسهم دون بذل مجهودات إضافية في إعادة شرح هذه الدروس من جديد حيث قررا تصوير الدروس التي يقدمانها على شكل فيديوهات و رفعها على منصة يوتيوب YouTube كي يقوم الطلبة المتغيبون بمشاهدتها و في اليوم الموالي يطرحا عليهم أسئلة تقويمية حولها.
حل ابتكر من أجل الطلاب المتغيبين فاستحسنه الحاضرون أيضا:
لم يستفد من هذه التقنية الطلبة المتغيبون فحسب، بل استحسنها الطلاب الذين يحضرون إلى الفصل بشكل دائم أيضا، حيث إنها تمكنهم من الرجوع إلى تلك الدروس من أجل فهمها والتعمق فيها أكثر خصوصا في حالة عدم تمكنهم من استيعابها داخل الفصل، وقد دفع ذلك؛أرون سامز الى طرح التساؤل التالي: ماذا لو سجلنا كل الدروس بشكل مسبق؟ وكان ذلك بمثابة ميلاد مقاربة بيداغوجية جديدة '' استراتيجية الأقسام المقلوبة ''.
استراتيجية الأقسام المقلوبة كما عرفها بعض المختصين:
يعرف (2012) Ston الصف المقلوب بأنه استخدام أدوات الفيديو
لتسجيل الصوت والصورة للمحاضرات وجعلها متاحة للطلاب بوقت كاف قبل الحضور
للمحاضرات الرسمية من أجل استغلال الوقت الرسمي للمحاضرة في المناقشة وحل المشكلات
وتوضيح المفاهيم الصعبة والإجابة عن تساؤلات واستفسارات الطلاب وإتاحة الفرصة لهم
للمشاركة الفاعلة أثناء المحاضرة وربط الدروس بالحياة اليومية.
كما عرف Bishop and Verleger (2013) الأقسام المقلوبة بأنها استراتيجية تعليمية توظف التعلم غير المتزامن عن طريق مشاهدة مقاطع فيديو مسجلة للمحاضرات والدروس وتحفز الطالب على مشاهدتها كواجبات منزلية قبل حضور الحصة داخل الفصل والتي يخصص وقتها للمشاركة الفعالة وحل المشكلات.
استراتيجية الأقسام المقلوبة باختصار هي مقاربة بيداغوجية تقوم بقلب أنشطة التعلم بحيث يشاهد المتعلمون الدروس المصورة في البيت كي يتم تقويمها ومناقشتها والتعمق فيها خلال الحصة الرسمية التي تقام داخل الفصل.
إيجابيات الأقسام المقلوبة أو المعكوسة:
إن اعتماد
استراتيجية الأقسام المقلوبة أو المعكوسة على التكنولوجيا الحديثة للإعلام والتواصل
وما تزخر به من مؤثرات بصرية وصوتية يجعلها تحظى بأهمية بالغة لدى المتعلم، فتجعله
يقبل بكل شغف وحيوية على دروسه ويستمتع بها عكس الوسائل التقليدية، الشيء الذي
ينعكس بشكل إيجابي على مردوديته، فتجده أكثر نشاط وفاعلية داخل الفصل الدراسي وأكثر
استيعابا لدروسه. كما أن إتاحة الدروس المصورة على شبكة الانترنت تتيح للمتعلمين
إمكانية مشاهدتها عدة مرات، وأخذ الوقت الكافي من أجل تدارسها وتحليلها وفك رموزها
كل حسب قدراته الذهنية والعقلية وطاقته الاستيعابية، فالمدة الزمنية للدرس تبقى
غير محدد في هذه الحالة، مما يضاعف من حظوظ المتعلمين في تحصيل دراسي أفضل.
ومن جهة أخرى
فإن استراتيجية الأقسام المقلوبة أو المعكوسة تشجع المتعلمين على استعمال
التكنولوجيا الحديثة للتعليم والتواصل بشكل فعال وتكسبهم تقنيات وفنيات التعامل مع
هذه الوسائل التي أصبحت ميزة من ميزات العصر الذي نعيش فيه؛ كما تعزز لديهم
التفكير النقدي وحب التعلم الذاتي وتفعيل الذكاء التعاوني.
أما بالنسبة للمدرسين، فاعتماد استراتيجية الأقسام المعكوسة يوفر عليهم الكثير من الوقت والجهد، فعوض أن يقوم المدرس ببناء الدرس الذي سبق أن قام ببنائه عدة مرات، يسجله على شكل فيديو ويكتفي في كل مرة بتقاسمه مع متعلميه على أساس أن يخصص المدة الزمنية للحصة الحضورية للتوجيه والتحفيز وتذليل الصعاب لهم، كما يمكنهم من بناء علاقة حب واحترام وتعاون مع طلابهم ومتعلميهم.
معيقات تفعيل استراتيجية الأقسام المعكوسة:
من أهم معيقات تفعيل استراتيجية الأقسام المعكوسة بالمغرب خاصة و بدول العالم على وجه العموم ضعف التغطية بالعديد من المناطق وخاصة القروية منها و عدم توفر معظم المتعلمين على حواسيب أو لوحات الكترونية بالإضافة الى افتقارهم إلى فنيات و تقنيات الاستعمال الأمثل لهذه الوسائل و عدم تلقي معظم الأساتذة لتكوينات أكاديمية تؤهلهم للاستعمال الأمثل لهذه الأدوات في العملية التعليمية التعلمية بشكل سليم و فعال و يستجيب للمعايير التقنية و الطرائق البيداغوجية المنصوص عليها في الأطر المرجعية المؤطرة لهذه العملية كما أن غياب نصوص تشريعات تجعل من استراتيجية الأقسام المقلوبة بيداغوجية معتمدة بشكل رسمي في المدرسة العمومية تجعل العديد من المدرسين يِؤثرون تطبيق المناهج و المذكرات الوزارية بشكل حرفي و عدم الاجتهاد خوفا من المحاسبة.
و ختاما:
بين ضرورة
التقيد بالمناهج و المذكرات الرسمية المؤطرة للعملية التعليمية، و بين ضرورة
الاجتهاد و مسايرة مستجدات العصر؛ يبقى الأستاذ مطالبا بتفعيل ذكائه و استحضار
ضميره المهني و الانفتاح الدائم على تطورات و مستجدات الساحة التعليمية باعتباره اللبنة
الأساس لنجاح المنظومة التربوية لكل بلد مهما بلغ من تقدم و تطور على مستوى توفير
الأدوات و الوسائل الديداكتيكية .
و أنتم، ما مدى اقتناعكم بفعالية استراتيجية الاقسام المقلوبة؟ و ما هو تقييمكم لها؟ شاركونا آراءكم و اقتراحاتكم من خلال التعليقات.
ذ. فؤاد أبشري / فاعل تربوي